عين اليمن على جنوب اليمن

مقال تحليلي | تنظيم “داعش” يضعُفُ في العراق وسوريا… لكن يتمدد في اليمن

بقلم / عبد الرحمن الأشول

تناول العديد من المحللين العمليات الارهابية الأخيرة في عدن، وتداعياتها، واختلفوا في عرض أسباب الاختراقات التي يقوم بها ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” في عدن، وعن المستفيدين من تلك العمليات، ولكن الحقيقة التي غابت عنهم هي أن التنظيم تحركه مخابرات دولية، ضمن مخططات كبيرة في ظل الصراع الإقليمي و الدولي في المنطقة. ويجد المتابع أن تنظيم “الدولة” لا يسيطر إلا على المناطق المتنازع عليها بين القوى الإقليمية والدولية، ويسعى للسيطرة على جغرافيا الثروة في العراق وسوريا وليبيا، حيث سيطر على مساحة تتجاوز الـ 30% من الأراضي السورية، وتتضمن تلك المناطق حقول النفط والغاز. وفي العراق أحكم التنظيم سيطرته على الموصل أكبر المحافظات العراقية، يوجد فيها أكبر الحقول النفطية، حيث احتل الشركات العاملة في مجال استخراج وتكرير النفط. وفي ليبيا سيطر على عدة حقول نفطية، حتى أثر التنظيم على اقتصاديات الدول التي تعتمد على النفط، بعد أن أغرق مخازن النفط العالمية ووصلت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها.
وللتنظيم طرقه المعروفة لـ”التبشير” والاستقطاب وتجميع أنصاره في مختلف دول المنطقة، إذ يبدأ انتشاره في إطار عمليات استخباراتية سرية، بدءاً بتسلل مجموعاته المختلفة إلى المنطقة المستهدفة، ويسعى بعدها إلى دمج الشبكات الارهابية واستقطاب عناصرها، ويأخذ وقته في التبشير والتنظيم والتخطيط بشكل سري قبل تنفيذ عملياته القتالية. ويجد المتابع لتحركات التنظيم وتناميه، وخارطة انتشاره، وطرق وأساليب توسعه من منطقة إلى أخرى، بأن اليمن مقدم على مرحلة يسيطر فيها التنظيم على المناطق المتنازع عليها، وأنها لن تكون بعيدة عن خطر سيطرة تنظيم “الدولة”.
في مطلع العام 2015، دعا القيادي في تنظيم “القاعدة”، مأمون حاتم، أتباع التنظيم إلى توحيد كلمتهم ومبايعة “الدولة الاسلامية”، قبل أن ينتقل إلى حضرموت تزامناً مع بدء عمليات “عاصفة الحزم”، حيث جرى تسريب عدد كبير من العناصر الجهادية من مختلف المناطق اليمنية إلى حضرموت، بشكل سري، بغية إعلان تنظيم “الدولة” من هناك، لكن تلك العناصر رغم سيطرتها الكاملة على محافظة حضرموت لفترة طويلة وقيامها بتصدير وبيع النفط بعد سيطرتها على الشركات النفطية، لم تعلن رسمياً عن التنظيم في حضرموت، حتى اختفت تلك العناصر في ظروف غامضة بعد عمليات عسكرية لـ”التحالف العربي” سيطرت قواته على حضرموت في معركة استمرت لساعات فقط.
فهل يرتب التنظيم حالياً خلاياه ليعلن لاحقاً عن سيطرته على مناطق جنوبية؟ وهل ستكون عدن وحضرموت هدفاً له بعد خسارته في سوريا والعراق؟ خاصة أن حضرموت والمهرة وعدن وشبوة هي مناطق متنازع عليها إقليمياً، في ظل عملية “تغيير ديموغرافي” يتحدث عنها البعض في اليمن.
اليمن مقدم على مرحلة يسيطر فيها التنظيم على المناطق المتنازع عليها
حتى اليوم لم يعلن التنظيم عن سيطرته على منطقة معينة، ولا يظهر في اليمن إلا عبر نشر أفلام فيديو احترافية لعمليات تشبه تلك التي ينشرها التنظيم في العراق وسوريا وليبيا، وما يزيد من خطورة الأمر تنفيذه عمليات إعدام مصورة لقيادات أمنية وعسكرية في مناطق حيوية وسط مدينة عدن، وفي وضح النهار، وبدأ عملياته في عدن في أكتوبر 2015 بتفجير فندق القصر وسقوط ضحايا من القوات الإماراتية، وفي نفس الوقت استهدفت غرفة عمليات عسكرية إماراتية بسيارة مفخخة، في ذلك الحين طفت الخلافات السعودية الإماراتية على السطح، نتيجة تضارب أجندة الدولتين في عدن وحضرموت، فالسعودية تسعى من خلال العمليات العسكرية إلى إحاطة اليمن بنظام مرتبط بها يضمن استمرار وصايتها، فاليمن بالنسبة للسعودية هو العمق الاستراتيجي وشريطها الساحلي المطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر العرب؛ يحقق لها امتيازات اقتصادية وسياسية كبيرة ويزيد من قوتها كلاعب إقليمي.
كما أن السعودية ومن خلال منطقة حضرموت والمهرة تستطيع تنفيذ مشروع القناة المائية التي تربط البحر الأحمر ببحر العرب، بحيث يتسنى لها تصدير النفط بعيداً عن مضيق هرمز، وهو مشروع كشف عنه رئيس مركز “القرن العربي” للدراسات في الرياض، سعد بن عمر.
بينما تسعى الإمارات إلى تجميد الحركة التجارية في عدن وإبقاء مينائها على ركوده، حيث شهد ميناء عدن حالة شلل تام خلال فترة تشغيله وإدارته من قبل شركة موانئ دبي العالمية طيلة سبعة أعوام، واتهمت أوساط محلية يمنية الشركة بتعطيل الميناء لصالح ميناء دبي.
وإذا ما قارنا حالة النزاع الإقليمي على بعض المناطق اليمنية بالنزاع الإقليمي والدولي على سوريا، وتضارب المصالح والأجندات هناك، فإن مدينة عدن بالنسبة للإمارات بمثابة حلب بالنسبة لتركيا، فحلب علاوة على أهميتها الجيوستراتيجية كانت تشكل أهم مركز تجاري وصناعي في سوريا، وازدهرت الصناعة السورية لتغزو الأسواق العربية بجودة تضاهي المنتوجات التركية، بينما تعتبر مدينة عدن العاصمة التجارية والاقتصادية لليمن، وكانت بمثابة القلب النابض لحركة التجارة العالمية قديماً ومنطقة أطماع للقوى الكبرى عبر التاريخ. كما أن المدينة الآن تقع في عمق الجزيرة العربية ومحور الصراع الجيوستراتيجي الإقليمي الدائر في اليمن، وفي ضوء ما سبق، يرى مراقبون أن احتمالات سيطرة الجماعات التكفيرية على عدن أمر وارد جداً مع استمرار تضارب المصالح والأجندة حولها، وما عمليات تنظيم “الدولة الاسلامية” خلال الفترة الماضية سوى “بثٍ تجريبي”، وأن التنظيم الذي تحركه أيادٍ استخباراتية خارجية لم يبدأ عملياته الحقيقية بعد، كما أن غموض مصير عناصره التي فرت من حضرموت وتركتها بعد ساعات من المواجهات تضع مزيداً من الشكوك والتكهنات حول ماذا ينوي التنظيم فعله.
على أي حال سوف تشهد الأيام المقبلة تبلوراً أكثر وضوحاً، كما أن التداعيات داخل الدول المتنازعة على اليمن ستظهر أكثر مما جرى حتى اليوم، واليمن لا يزال في مفترق طرق بين الفدرالية وفك الارتباط، بين خيار الستة أقاليم والإقليمين، وبين حكومة جديدة في صنعاء وسياسة عزل للمحافظات الجنوبية وتحركات في حضرموت لإعلان الإقليم، وأخرى للاستقلال، بدأت المعارك المؤجلة بين ما تريده سلطات الأمر الواقع في الجنوب والشمال وما تريده السلطة الشرعية في الرياض، وما تريده القوى الإقليمية والدولية، وطالما الدول المتدخلة بالشأن اليمني لم تحسم أمرها بعد فاليمن مرشح أكثر من ذي قبل لفوضى وحروب داخلية بالوكالة، تختلط فيها كل الأوراق من جديد.
You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com