عين اليمن على جنوب اليمن

دول الخليج وسياسة الكيل بمكيالين مع محيطها الإقليمي.. وحاجتها لمراجعة سياسية إشعال الحرائق بالمنطقة

صلاح السقلدي

غريبٌ أمرُ الدول الخليجية الثرية:( السعودية-الامارات- قطر والبحرين)،فهي في الوقت الذي لا تنفك  عن الحديث عن رفضها للتدخل بشؤون الدول الأخرى نراها تتدخل بشؤون كل الدول العربية والإقليمية من الخليج الى المحيط، فهي تقول الشيء وتفعل نقضيه..تحلّل لها ما تحرّمه على غيرها..    فهي مثلا:

تتحدث عن محاربتها للإرهاب في بلدانها وتدعمه في دول أخرى، مثل دعمها المالي والإعلامي للجماعات الإرهابية في سورية. ترى في سورية وليبيا ثورة شعبية.. رأت في الرئيس الليبي معمر القذافي شيطانا رجيم, وفي السوداني عمر البشير ملاكا رحيما.. وفي البحرين والسودان ومصر واليمن تمردا وفي سورية ثورة مبجلة. تتدخل بالشأن السوري بشكل فاضح وترى في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي تتحدث عن حملات الاعتقالات ببلدانها تدخلاً مرفوضاً يمس سيادتها. ترفض هذه الدول التدخل الإقليمي في سورية وتدعم بقوة بالمال والسلاح  التداخل التركي كما تفعل قطر التي تكافح لإسقاط النظام بدمشق وتقيم في نفس الوقت علاقات متينة مع طهران.

تستهجن هذه الدول قمع الحريات في تركيا وإيران وهي التي لا تتورع أن تقطع جسد معارض أو صحفي بمنشار كهربائي.. تتحدث ليل نهار عن قمع الحريات بصنعاء و سجون في عدن وهي التي تزج بالسجون صاحب قصيدة شعرية أو تغريدة تويترية عابرة. ترفض الاستبداد في دول أخرى وهي التي لا تتورع بنزع الجنسية عن معارض سلمي  من مواطنيها،بل لا تتورع أن ترسله الى مقصلة الإعدام بتهم سياسية أو طائفية أو أمنية .

ساعدتْ أمريكا وبريطانيا وفرنسا باحتلال العراق وترفض التدخل الإيراني فيه.تدعم السلطة الشرعية المعترف بها دوليا باليمن وتقوّض بل وتحارب بطيرانها العسكري السلطة الشرعية المعترف بها دولياً في ليبيا.. تتحدث كل يوم وكل ساعة عن وقوفها مع القضايا العربية في فلسطين ولبنان وهي التي ترى بالمقاومة بلبنان وبغزة جماعات ارهابية شيعية وإخوانية. يتحدث إعلامها ليل نهار أنها ضد الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية وهي التي ترى بصواريخ سورية صوب الجولان السورية المحتلة اعتداءً سافرا على إسرائيل ،وأن من حق هذه الأخيرة أن تدافع عن جولانها وحدودها – بحسب وزير الخارجية البحريني-.تحارب في اليمن لقطع يد إيران الموجودة على مرمى حجر في جزر طمب الكبرى والصغرى وأبو موسى.

ترفض هذه الدول بشدة التدخل الإيراني بالشأن السوري  وتدعو الى احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها وهي أي هذه الدول  ترسل ووزرائها إلى الأراضي السورية بطريقة غير مشروعة ودون إذن السلطة السورية بدمشق- كما فعل قبل أيام الوزير السعودي السبهان الذي دخل الارضي السورية بحماية أمريكية ولقاءه بجماعات سورية معارضة شرق البلاد وتحدث عن منح بلاده أموال طائلة لهذه الجماعات.

تؤجج الأجواء بالخليج وتوصلها الى حافة الهاوية إنفاذاً وتماهيا مع الرغبة الأمريكية الإسرائيلية وفي ذات الوقت تدعو الى حماية ناقلات النفط بالخليج، وهي لا تدري أن الحماية الأمريكية المزعومة ليس أكثر من واقٍ كرتوني زائف، فالرئيس الأمركي “ترامب” الذي يحرص على إبقاء الأزمة الخليجية مستعرة ويرى فيها مناسبة لحلب ضرع البقر الخليجية لن يتوقف عن تصعيد التوتر الخلجيي الإيراني ولن يخاطر بجنوده وأمواله لحماية في ساعة النزال العسكري الحقيقي وبالذات مع دولة صعبة المراس كإيران ولكنه لن يصمت عن حقه مقابل الحماية الأمريكية المزعومة.

تتحدث هذه الدول عن احترام السلطة الشرعية في اليمن كون هذه السلطة هي التي يعترف بها المجتمع الدولي وهي التي تشغل مقعدها بالأمم المتحدة، وفي ذات الوقت لا تعترف هذه الدول بالسلطة السورية التي يعترف بها المجتمع الدولي والتي تشغل مقعد سورية بالأمم المتحدة.

تدعم انفصال اقليم الأهواز عن إيران وترفض مجرد الحديث عن القضية الجنوبية في اليمن التي ترى فيها رجسا وقضية شيطانية .ترى بحركة الإخوان المسلمين الدولية حركة إرهابية وهي أي هذه الدول الخليجية تستضيف بفنادقها الوثيرة  رموز الحركة فرع اليمن.. تعلن دوما عن مكافحة الإرهاب وهي تحتضن رموز يمنية مصنفة أمريكا  بل ومصنفة خليجيا بأنها ارهابية مثل الشيخ الزنداني والحميقاني وبكر وغيرهم من المطلوبين أمريكا وخليجياً.

ترفض دعم الجماعات الدينية المتشددة باليمن ولكن لا تتردد بدعمها بالمال والسلاح  مع جماعت ورمز متشددة كما تفعل مع الداعية اليمني  في مدينة تعز “الشيخ أبو العباس”.!

تسخط عن جعل جماعة الحوثيين من اليمن منصة لإطلاق الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيّرة باتجاه الأراضي السعودية وهي التي جعلت المنطقة برمتها منصة لإطلاق كل أنواع الصواريخ والطائرات الأمريكية صوب كل الدول العربية وليس فقط اليمن.

تدعو لوحدة الأمة وتلاحمها وهي التي ترفض مجرد الحديث عن المصالحة مع دولة عربية بل  خليجية  “قطر”.!

تستهجن هذه الدول بقوة تبعية صنعاء لطهران وترفض التدخل بالشأن الداخلي اليمني ،وهذه الدول  تدير اليمن وتتحكم به وبنخبه السياسية وبقراره السيادي والسياسي بواسطة السفير السعودي باليمن” محمد آلــ جابر”.!

باختصار نحن إزاء سياسية خليجية متناقضة تتعاطى بمعايير مزدوجة مع محيطها ومع داخلها و تكيل بأكثر من مكيال ،وهو الأمر الذي يدفع دول وشعوب المنطقة بمَــن فيها الشعوب الخليجية باتجاه الضياع والتمزق والانهيار على خُــطى الصومال وليبيا، إن لم تعيد هذه الدول تقييم وتغيير سياساتها مع محيطها  العربية والإقليمي بل ومع بيتها الداخلي.. فهذه الدول خسرت محيطها كله تقريبا. فمجرد أن نجيل النظر بالمحيط الخليجي نجد أن السعودية مثلاً قد خسرت العراق وليبيا والفلسطينيين وسورية واليمن وإلى حد كبير لبنان، كما خسرت قطر، وعلاقتها مضطربة مع الجزائر والمغرب وتونس والسودان، وحتى مع مصر برغم دفئ العلاقة مع سلطة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلا أن نصف المصريين يضمرون الضغينة للسعودية والإمارات والبحرين، وحتى علاقتها ببعض الدول الخليجية الأخرى باتت متوترة – أو في أحسن حال باردة- كما هو الحال مع سلطنة عمان والكويت. وبالتالي فهذه الدول أقصد السعودية والإمارات والبحرين لا تخسر محيطها العربي والإقليمي فقط بل تشعل الحرائق فيه بكل الجهات , وهو الأمر الذي يعني بالضرورة  أن هذه الدول ستجد ذات المصير, فلا يُــعقل أن يشعل الإنسان النيران بمنازل جيرانه ثم يقعد مبتسماً ظناً أن هذه النيران لن تأتي على عليه وعلى داره وديرته.

رأي اليوم – صلاح السقلدي

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com