عين اليمن على جنوب اليمن

هل تدرك السعودية حاجتها لمراجعة سياستها الخارجية مع اليمن؟

الكاتب والناشط السياسي اليمني عبد الملك العجري
الكاتب والناشط السياسي اليمني عبد الملك العجري

البنية الجيوسياسية لليمن تجعله مع الخليج كتلة إستراتيجية واحدة يفترض ان تؤسس لعلاقة ذات أولوية وتفرض التزامات سياسية واقتصادية وأمنية متبادلة لا تقبل التعسف والابتزاز او الفوقية والتعالي المهين , علاقات تستوعب الحقائق الجغرافية والمشتركات الثقافية ولا تتناقض مع المواثيق الدولية والإقليمية, ودبلوماسية ديناميكية تستوعب منطق الهزات الجيوسياسية والمتغيرات العالمية والتحولات الداخلية وتمتص إسقاطاتها الضاغطة وتحيد ارتداتها عن الإضرار بالعلاقة بين البلدين والتحرر من التصلب السياسي في نظرة الرياض لليمن كمؤخرة تدخل ضمن النفوذ الإقليمي المباشر والحيوي لها.
تقارب السعودية اليمن مقاربة جيوسياسية ومقاربة إيديولوجية . المقاربة الجيوسياسية نظرا للموقع الاستراتيجي الذي يمثل نقطة جذب مركزية في الشرق الأوسط و مصدر تأثير في المجال الخارجي ولذلك قيل من يحكم صنعاء يحكم المدخل الجنوبي للجزيرة العربية .

والمقاربة الإيديولوجية من خلال دعم الجماعات الدينية المرتبطة بالفاتيكان السلفي في الرياض لاحتواء وتطويق المد الشيوعي جنوبا سابقا قبل الوحدة والمد الشيعي شمالا حيث التنوع المذهبي للبنية الديمغرفية اليمنية يمثل مصدر قلق للرياض في سياق صراعها الجيوسياسي مع إيران.

النظرية الموجهة لسياسية الرياض نحو اليمن ان يمنا قويا يشكل تهديدا للهيمنة والنفوذ السعوديين في المنطقة ومن الضروري العمل على إبقائه دولة ضعيفة معتمدة باستمرار على المنح والمساعدات السعودية وتوسلت لذلك جملة من الروافع الإيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية من خلال الجماعات الدينية ومراكز النفوذ القبيلة والعسكرية ومنذ قيام الثورة اليمنية كانت علاقاتها بالقبائل اليمنية من الأمور التي تؤرق اليمن نظرا لأنها تفاقم من نفوذهم في مجتمع و سياسية اليمن
تفضل الرياض لو ان جوارها كله مليكا ويقلها وجود تجربة ديمقراطية جاذبة في جوارها قد تلهم الشعب السعودي للمطالبة بالإصلاح السياسي,ولذلك لم تدخر جهدا لإفشال التحول الديمقراطي في اليمن وصادف ذلك رغبة النظام الحاكم في ديمقراطية شكلية تؤمن موقعه في الحكم.

اتسمت علاقة السعودية باليمن بالفوقية والتعالي المهين تمس بمسألة السيادة ومستوى استقلال القرار لتصبح –كما تريدها – شكلا من الإلحاق المذل والولاء السياسي من دون هامش كبير للمناورة والاستقلال.

تمانع الرياض أي علاقة لليمن مع الدول المؤثرة خارج نافذتها لإبقاء اليمن ساحة نفوذ حصرية بما في ذلك الولايات المتحدة التي كانت تدعم المقاربة السعودية لعلاقتها باليمن وظلت إلى فترة قريبة تدير علاقتها باليمن عبرها.

مسار العلاقات السعودية اليمنية الراهنة انحكم لمحددين محلي وخارجي المحلي يتعلق بالهزات والتقلبات السياسية والاقتصادية والأمنية في الداخل اليمني والخارجي يتعلق بإسقاطات المتغيرات العالمية والهزات الإقليمية على وضع السياسية السعودية في اليمن.

من نافل القول ان التحولات المتتابعة على الساحة اليمنية على رأسها ثورة فبراير وبروز انصار الله مكون سياسي مؤثر ومسلح و صولا لثورة سبتمبر وسيطرت انصار الله على العاصمة صنعاء مثلت كسرا عنيفا قلبت موازين القوى وأعادت تموضع القوى السياسية والتحالفات الخارجية وأسقطت أهم روافع النفوذ السعودي في اليمن وحلفائه التقليدية ,تزامنت هذه التحولات مع سياق إقليمي ودولي انتقالي يشهد تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بدخول فاعلين دوليين كروسيا والصين وسعى إدارة اوباما أمريكا لإعادة هيكلة إستراتيجيتها الإقليمية في الشرق الأوسط, و مع صعود إيران كقوة إقليمية تحتل مواقع متقدمة منذ سقوط بغداد وخروج العراق من معادلة التوازن الإقليمي والفوضى التي اعقبت الربيع العربي والفراغ في المنطقة العربية والتغير في الخطاب الدبلوماسي بينها وبين الغرب الذي توج بتوقيع اتفاق لوزان والاعتراف بإيران الشريك الأساسي للدول الكبرى في إدارة ملفات المنطقة .فكيف استجابت الرياض لهذه المتغيرات ؟

الرياض من سياسية الاحتواء إلى التصعيد العسكري:

اتخاذ الرياض قرار العدوان كان مفاجأ وعلى خلاف السياسية الخارجية التقليدية للرياض في الاعتماد على حلفائها الغربيين ووكلائها المحليين ,تعكس حالة من التشنج والرهاب السياسي دفعها للتصعيد العسكري من دون دراسة كافية يؤكد ذلك اتخاذ عمليات العاصفة إستراتيجية الانتقام الشامل خارج أي منطق عسكرية او سياسي.
تساور السعودية مخاوف متضخمة ومتوهمة من انصار الله بلغت ذروتها مع سيطرت الأخيرين على العاصمة صنعاء سيما وانه تزامن مع سياقات إقليمية ودولية مقلقه كما مر .

غير الخصومة التاريخية ترى الرياض أن التمكين السياسي لأنصار الله ونجاحهم في اليمن يلهم المجموعات الشيعية في السعودية ويحفزهم على مقاومة التمييز والتهميش الذي يمارسه عليهم النظام كما تنظر لأنصار الله جماعة مسلحة على حدودها الجنوبية تربطها علاقة قوية بإيران وتمكينهم يعنى تمكين إيران من التحكم في ثلاثة مخانق مائية تتحكم في تجارة النفط باب المندب ومضيق هرمز وقناة السويس.

تعتقد الرياض ان سيطرة انصارالله على صنعاء جاءت بدفع إيراني ويبنون مقاربتهم هذه على أساس أنها ردت فعل من ايران على الإنهاك الذي تسبسبت فيه الرياض –من وجهة نظر إيرانية -لإيران في سوريا إضافة إلى انخفاض أسعار النفط فكان الرد الإيراني بتوجيه ضربه لهم في اليمن حيث خاصرتهم الرخوة .

المخاوف السعودية مخاوف متضخمة ومبالغ فيها وقعت فيها ضحية لسيل المعلومات التي يقدمها خصوم انصار الله السياسيين في اليمن عزز منها الخطاب الإعلامي لإيران الذي كان يتعمد بعث رسائل توحي ان ما يحدث في اليمن من تدبيره وإيهام السعودية من خلال تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى أنهم من يديرون الأوضاع في اليمن .

يدرك انصار الله حساسية الوضع في اليمن بالنسبة للرياض وسعوا لفتح قنوات تواصل معها لمناقشة تخوفات الطرفين لكنها توقفت بعد موت الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز وتبين ان إدارة الملك الجديد غير راغبة في التواصل وان لديها موقف مسبق .

بطلان نظرية الدولة الضعيفة :

بنت السعودية سياستها في اليمن على نظرية “ان دولة ضعيفة في اليمن أفضل لمصالحها وأمنها “وهي نظرية ثبت بالتجربة بطلانها فالدول الضعيفة تشكل مصدر تهديد لجوارها اكبر واخطر من الدول القوية
أموال ضخمة صرفتها السعودية في اليمن خلال العقود السابقة بقصد الإضعاف الممنهج للدولة وتقوية مراكز النفوذ والجماعات الدينية والسياسية التي تدين للرياض بالولاء المطلق .

هذه السياسية وان ساعدتها في الهيمنة على القرار اليمني إلا على المدى الطويل تناقض مصالحها. كان من نتائجها تعاظم أعراض الفشل على كيان الدولة و تحول مراكز النفوذ والجماعات الدينية والسياسية المدعومة من الرياض الى كيانات موازية للدولة تنازعها في السلطة والقوة وعلمت على قمع واستبعاد القوى الأخرى مستخدمة هذه الإمكانات المالية الضخمة وعلاقتها بالسلطة لفرض هيمنتها على بقية القوى ,و من الطبيعي ان تدفع هذا السياسية بقية القوى للبحث عن مصادر قوة للدفع عن نفسها خاصة في ظل حالة الاستقطاب الإقليمي الحاد وبالتالي الدخول في متوالية هندسية من الصراعات والفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية ,وتطور أعراض الدولة الفاشلة سواء فقدان الدولة لسيطرتها على كل الجغرافيا اليمنية والعجز عن فرض سلطة القانون وسقوط الحق الحصري للدولة في تملك السلام وانتشار الجماعات المسلحة والكيانات العسكرية وشبه العسكرية وفي النهاية تحول الوضع في اليمن الى مأزق امني كبير يهدد الأمن الإقليمي والدولي يبرر للدول الكبرى إحكام سيطرتها على المنطقة .

المال الخليجي نقمة ام نعمة .

ينظر معظم اليمنيين والشعوب البلدان العربية عموما للثروة المالية والنفطية الخليجية المهولة باعتبارها نقمة على بلدانهم تهدد سيادتهم واستقرارهم نظرا للتوظيف الخاطئ لهذه الإمكانات في شراء الولاء السياسي وفرض أملاءاتهم على حلفائهم العرب وابتزاز حاجتهم للمال الخليجي للمضي في مشاريع تدميرية لا علاقة لها بمصلحة العرب ولا أمنهم القومي وفي حال ممانعتهم يعرضون استقرار بلدانهم للغرق في مستنقع دموي وتمويل الجماعات والعناصر المتطرفة كما في سوريا والعراق واليمن وليبيا وعلى خطر عظيم مصر ولبنان

الثوابت الجوارية والحقائق الجيوسياسية كان يفترض أن تكون دافعا لمد يد العون لليمن للتغلب على التحديات التي تعصف به خاصة التحديات الاقتصادية التي تعد ام الأزمات ,لكن الذي حصل كان على العكس من ذلك فالأموال الضخمة التي صرفتها السعودية في اليمن خلال العقود السابقة لشراء ولاء النظام السياسي ومعظمها ذهبت لجيوب مراكز النفوذ القبلية والعسكرية والدينية وغير ذلك عمدت الرياض الى مجموعة من الإجراءات العقابية مثل طرد العمالة اليمنية وإسقاط حقوقهم على خلفية موقف اليمن من حرب الخليج الأولى أدت إلى ضغط كبير على الاقتصاد اليمني الهش وتوسع رقعة الفقر وانتشار البطالة ولذلك ينظر الشعب اليمني للدور السعودي في اليمن بغير قليل من المقت والمخزون السلبي الذي تكتنزه الذاكرة الشعبية عن السعودية يفوق بأضعاف مضاعفة المخزون الإيجابي .

***

السعودية وإيران دولتنا إقليميتان يتوفران على مصادر لا يستهان بها من النفوذ والقوة، يسخرانها في صراعاتهما الجيوسياسية بينما اليمن دولة ذات موارد محدودة يجب تحييدها عن صراعات الدولتين وإذا كان للسعودية مشكلة مع إيران فلا تكون على حساب اليمن.

تصوير الرياض معركتها مع اليمن على أنها مواجهة مع إيران والتركيز على الانقسامات الطائفية للتمويه على الدوافع الجيوسياسية للقتال والاستنهاض الغرائزي للشعوب السنية لحشد الدعم الإقليمي على درجة عالية من الخطورة، يدخل المنطقة في حروب من شأنها أنْ تغيِّر وجهها على نحوٍ مدمر, فالصراعات الطائفية صراعات غير عقلانية مبنية على التضامن العاطفي ودوافعه غامضة والوصول الى تسوية فيها عملية صعبة ومعقدة بينما الصراع السياسي دوافعه عادة ظاهرة والوصول لتسوية تنهي الخلاف أيسر وأسهل .

aalejri@gmail.com

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com