المشهد الجنوبي الأول / متابعات

أضحت مدينة عدن في صدارة المدن اليمنية التي تعاني من ظاهرة حمل السلاح وتبعاته على أمنها وسكينتها ومظاهر مدنيتها، المدنية التي ظلت تنفرد بها وتحمل رايتها أمداً طويلاً من الزمن. المسلحون يتجولون فرادى وجماعات على رمال شواطئها، وفي مختلف أحيائها وشوارعها وأسواقها وأزقتها، بما فيها مركبات المارة التي لا تخلوا معظمها من قطعة سلاح واحدة على الأقل، وكذلك هو الحال في أغلب المحال التجارية والمطاعم والمقاهي، التي غاب عن طاولاتها من اعتادت أن تتميز بهم من الأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين والسياسيين، وحل عليها المتمنطقون برشاشات «كلاشنكوف» والمسدسات من ماركات وأشكال وأنواع مختلفة؛ في مفارقة توحي بحجم الدمار النفسي والاجتماعي الذي تجاوز حجم الدمار المادي الذي لحق بالمدينة، نتيجة للحرب التي شهدتها مؤخراً، وما لحقها من صراع المصالح الجهوية والمناطقية، بارتباطاتها الإقليمية، التي لم تتوقف، طيلة السنوات الثلاث الماضية.

شباب عدن المسلح

يرى عدد من المتابعين أن ظاهرة حمل السلاح العشوائي في مدينة عدن، ليست كما يتناقلها كثيرون بأن المسلحين المدنيين جاءوا من خارج مدينة عدن؛ لأن أعداداً كبيرة منهم، هم من أبناء عدن نفسها. الشيخ حمدي عبد الجبار، عاقل حارة في مدينة كريتر، تحدث إلى «العربي» قائلاً: «معظم المسلحين الذين تراهم في مدينة عدن، هم من أبنائنا، عدنيين، وغير صحيح أنهم كلهم من أبناء القبائل والبدو  القادمين من المحافظات المجاورة للمدينة (الضالع، يافع، أبين، الصبيحة، ردفان)، وصحيح أن بعض المسلحين هم من خارج عدن، لكننا عندما نكتشفهم نوقفهم ونمنعهم من حمل السلاح والتجول به».

وبرر الدواعي التي أدت إلى هذه الظاهرة، بقوله: «البداية كانت عند بداية الحرب الأخيرة وانضمام أعداد كبيرة من شباب المدينة إلى صفوف المقاومة، وبعد دحر الحوثيين عن مدينة عدن، كان من واجب الشباب العمل مع الأهالي على حفظ الأمن، وملاحقة الخلايا النائمة، التي ظلت تعمل لصالح العدو»، مضيفاً «فعدن تحررت بشبابها ورجالها، والكل يعلم أن أبناء عدن سطروا ملامح تحرير مدينتهم بأنفسهم، ولم يكن لمن جاءوا لاحقاً من خارج المحافظة أي دور في التحرير، بل جاءوا إليها وهي جاهزة، ولهذا ليس ممكناً أن نترك مدينتنا لغيرنا، يديرونها لوحدهم».

وأشار إلى دور «التحالف» في هذا الاتجاه، قائلاً: «بعد التحرير وجدنا الدعم من التحالف، وتمثل ذلك في تجنيد عدد كبير من الضباط السابقين ومن عناصر المقاومة، ضمن قوات الحزام الأمني وألوية الاسناد». وعن المعالجات الممكنة لهذه الظاهرة، قال عبد الجبار: «أعتقد أن التحالف العربي، وتحديدا دولة الإمارات، إذا أرادت سحب السلاح من الشباب، وعدم الخروج به من المعسكرات، وتوفير المخازن اللازمة لها، ستنتهي هذه الظاهرة، بأسرع وقت».

انتهاك مدنية عدن

إن ظاهرة حمل السلاح في أوساط شباب مدينة عدن، ومن الجماعات التي وجدت من عدن مكاناً لها، مثلّت صدمة كبيرة للعدنيين، وتعتبر من أخطر الظواهر الدخيلة على المدينة. يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن في حديث إلى «العربي»: «أقولها بكل صدق، ومعي كل أبناء عدن، وكل من عاش فيها أو عرفها وأحبها، إننا مصدومون من هذه الظاهرة، التي لم تكن متوقعة»، مضيفاً «ظاهرة تسليح شباب مدينة عدن تعتبر من أخطر المظاهر التي انهكت المدينة برمتها، فقد تغير شكل المدينة تماماً، وصارت الجرائم المتعلقة بالسلاح في تزايد مستمر، صرنا نتابع جرائم القتل والتصفيات بمعدل كل يوم وجرائم التقطع داخل المدينة، وجرائم الاختطافات والاغتصاب، وسرقات بالاكراه».

وفسّر عبد الرحمن نتائج هذه الظاهرة، بالقول، إن «ما تتعرض له مدينة عدن، يعتبر انتهاكاً صريحاً لمدنيتها التي انفردت بها طيلة القرون والعقود الماضية»، مؤكداً على دور الحكومة و«التحالف» يها قائلاً: «أنا من ناحيتي أحمل حكومة الرئيس هادي والتحالف العربي المسئولية الكاملة في هذه الظاهرة وتبعاتها، باعتبارهم هم من انتقلوا بالمدينة إلى هذه الحالة، فشباب عدن لم يكونوا مسلحين حتى قبل الحرب الأخيرة في مواجهة الحوثين، ولم تشهد عدن هذه الظاهرة إلا في عهدهم، وفي دعم مباشر منهم».

الانفتاح على المجهول

وعن هذه الظاهرة، تحدث الى «العربي» الصحفي فهمي الشعيبي، قائلاً: «هذه الظاهرة جاءت نتيجة لعدم وجود أي دور لأجهزة الأمن، الدولة غائبة تماماً، ومن الطبيعي أن تتسع هذه الظاهرة، وتتخذ هذا الشكل من العشوائية المدمرة»، مضيفاً «الخطورة تكمن في الدور الذي تقوم به العديد من المنظمات، التي تستغل مثل هكذا ظروف، وتعمل على تجنيد الشباب، والدفع بهم نحو أهدافها».

وأضاف «فهي تستغل الأوضاع الاقتصادية للشباب في توفير أجور مجزية، بالإضافة إلى استغلالها للظروف النفسية للشباب وحالات الإقصاء التي يجدونها في محيطهم الاسري والاجتماعي، ويجدون أنها السبيل المناسب في مواجهة الازمات التي يعيشونها»، وتكهن الشعيبي بالمآلات التي يمكن أن تكون عليها مدينة عدن، في حال عدم مواجهة هذه الظاهرة بالقول «أنا على ثقة من أن التمادي في ترك عدن تحت سطوة السلاح، يعني أن هناك أطرافا تريد أن تفرض على عدن واقعاً لا يمكنها التعايش معه بحكم مدنيتها التي عرفت بها، ويفرض عليها أن تنفتح على مخاطر لا يمكن السيطرة عليها، وتتجه نحو المجهول».

(العربي)