ثورة ١٤ أكتوبر.. الصورة الصادقة لوحدة الإنسان اليمني أرضاً ومصيراً

المشهد الجنوبي الأول – مقال

 

ثورة ١٤ أكتوبر ثورة ناجزة ،أنتصرت للحرية وكرامة الإنسان ،فبعد سنوات من نضال شعبنا العظيم على مختلف الصعد وبمختلف فئاته وطبقاته جسدوا فيها الصورة الصادقة لوحدة الإنسان اليمني أرضاً ومصيراً، حيث مثّلَ أبطالها بإستبسال قل نظيره صورة مشرقة للفداء من أجل قيم الخير ،بعد قرابة قرن ونصف من الإذلال والتفرقة العنصرية والقهر ،وممارسات التشطير التي ما انفك  الاستعمار البريطاني فرضها بدراهمه تارةً وبسلاحة تارات أخرى على اليمنيين .
يكفي هذه الثورة العظيمة أنها أنجزت أول صورة من صِوَر الوحدة اليمنية والعربية بين ٢٦ سلطنة ومشيخة زرعها الاستعمار ،وأكدت واحدية الثورة والبلد تماشياً مع معطيات التاريخ ،وغرستها في نفوس الأجيال بعد أن مارستها واقعاً بنفسٍ قومي ووطنيٍ صادق جدير بأن تتمثله أجيال اليوم ،وبعض الأصوات النشاز التي تحاول عبثاً تجاوز حقائق التاريخ والتّنكُّر لتضحيات الرواد الأوائل من شهداء الثورة اليمنية ومناضلوها الأفذاذ ،ويتناسون عمداً مقدمات الثورة التي بدأت في نفوس أبطالها ونضجت سياسياً وعسكرياً في بيئة ٢٦ سبتمبر وتحديداً في تعز والحديدة وإب قبل أن يعود الشهيد البطل راجح لبوزة من صنعاء مع رفاقه من ابناء ردفان الأحرار بعد أن أدوا دوراً مشهوداً في الدفاع عن ثورة ٢٦ سبتمبر الخالدة  ،فسلحتهم الثورة بما يلزم لإطلاق شرارة الكفاح المسلح من جبال ردفان في ١٤ اكتوبر ٦٣م.
فمنذ قيام أول نشكيل فدائي شعبي مكون من رأس المال الوطني والشباب وضباط الجيش والعمّال في عدن مطلع العام ٤٦ ضد المستعمر البريطاني برئاسة المناضل نور الدين قاسم قبل أن تعتقله سلطات الاحتلال على أثر عملية برج المطار وقصف ما عُرِف حينها  بالمجلس التشريعي ويتولى المسؤولية الرئيس عبدالفتاح اسماعيل.
وبعد قيام ثورة ٢٦ من سبتمبر ضد الحكم الإمامي في صنعاء ،هب أبناء المحافظات الجنوبية منخرطين في الحرس الوطني  دفاعاً عنها ، وتوفر المناخ السياسي والبيئة الحاضنة لقيادات الجبهة القومية الذي هيئته سبتمبر ، حيث تم إنشاء مكتب سياسي وعسكري لشؤون الجنوب اليمني برئاسة الرئيس قحطان الشعبي ،الذي نشِط في الإتصال مع القيادات الشعبية في الضالع وحضرموت وأبين ولحج وحدد لهم المسؤوليات والمهام تنظيمياً وعسكرياً ومالياً وبما يتوافق وخصائص كل منطقة ،بعد أن اقتعنت كل القيادات الوطنية والثورية في الجبهة القومية بقيادة الأنضج والأبرز الشهيدفيصل عبداللطيف والرئيس الشهيد قحطان الشعبي ورفاقهما سيف الضالعي وسلطان أحمد عمر وطه مقبل في اجتماع قيادات الحركة وعناصرها في صنعاء نهاية فبراير ٦٣  وإعلان تأسيس ( جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل ) قبل أن ينضم إليها العديد من قيادات العمل القومي – بعثيون وناصريون-في العام نفسه، حرصت معه قيادة ٢٦ سبتمبر متمثلة بالرئيس السلال والقيادة العربية للجيش المصري المتواجدة في صنعاء على تهيئة المناخ اللازم للقيادات الثورية في الجبهة القومية ، وتدريب الكوادر الثورية والفدائية من أبناء ردفان على التخطيط الميداني  وتسليحها  بقيادة الشهيد البطل الشيخ غالب بن راجح لبوزه “رحمه الله”  في تعز بمباشرة مصرية ورعاية من حكومة الثورة،  نضجت كل العوامل الموضوعية لقيام كفاح مسلح انطلقت شرارته في جبال ردفان ،متجاهلين تحذير المندوب البريطاني في عدن “مستر مينلل” وقواته المتأهبة في المنطقة ،الذي لم يكن جوابه من الشهيد العظيم لبوزة  إلا بعض كلمات توحي بالتحدي وطلقة رصاص حملها رسوله رداً على التحذير ، قبل أن يستشهد في سبيل قضيته العادلة ،ليعقبه في القيادة الشيخ عبدالله  المجعلي والمناضل طه أحمد مقبل رحمهم الله جميعاً.
لتفتح بعدها الجبهة القومية جبهات عسكرية لا تقل ضراوة واستبسال عن جبهة ردفان في دثينة محافظة أبين والضالع ،استمرت حتى الاستقلال الناجز وجلاء آخر جندي بريطاني من عدن خاصة ومن اليمن بشكل عام .

بقلم.. أ. د . حمود العودي

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com