صواريخ صنعاء تمنع بن سلمان من تحقيق أهم أهداف زيارة ترامب
عشية تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة ومع تحديده السعودية كأول وجهة خارجية له، رفع ولي العهد السعودي سقف طموحه من الزيارة وكأن اله من السماء سيسقط على بلاده، لكن النتائج كانت كارثية.
أبرز ما كان يطمح له بن سلمان استضافة لقاء بين الرئيسين الروسي والأمريكي في محاولة لتصوير السعودية كدولة عظمى، ورغم ما انفقه بن سلمان لأجل ذلك لم يتحقق شيء واكتفت الدولتان بإرسال وفد منخفض المستوى قبل ان تنقل الاجتماعات إلى دول غربية. كان هذا اكبر هدف وقد رأى بن سلمان ان لدى بلاده القدرة على جمع أكبر الخصوم الدوليين.
في المستوى الثاني، يأتي التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي اذ كان يتوقع بن سلمان ان تمثل زيارة ترامب انفراجة كبيرة في الملف الذي تشترط فيه السعودية إعلان دولة فلسطين بغية تلافي ردة فعل عربية وإسلامية على خطوة التطبيع وهو مالم يتم في ضوء وضعه كخط أحمر من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية.
أما الثالث فيتعلق بمعضلة السعودية في اليمن، ورغم الاتفاقيات الضخمة في الانفاق العسكري، لم يتوصل مع أمريكا التي خرجت تواً منهزمة من البحر الأحمر لاتفاق بما في ذلك استراتيجية التعاون الدفاعي المشفوعة من الكونجرس.
وحتى على مستوى العقوبات على سوريا، أبى ترامب ان يمنحها لولي العهد السعودي رغم توقيع شيك بـ600 مليار دولار واتفاقيات أخرى بمئات الملايين من الدولارات، وقد قدم ترامب تركيا على السعودية في حديثه عن سبب رفع العقوبات واستبدال مساعي سعودية لعقد اجتماعات مع الإدارة السورية بنقل الاجتماعات إلى تركيا.
فعلياً.. لم يحقق بن سلمان من زيارة ترامب شيء باستثناء المشاهد الحميمية مع ترامب والصفقات البانورامية الاستعراضية لا أكثر.
كما أن من بين جميع الملفات التي حرص ولي العهد السعودي اثارتها خلال نقاشاته مع الرئيس الأمريكي، كان بارزاً غياب القضية الفلسطينية برمتها، فما أبعاد الخطوة؟
قبل زيارة ترامب وجهت السعودية رسالة لإدارته تطالب فيها بإبقاء الزيارة اقتصادية بحتة، ومع ذلك طرحت السعودية ملفات سياسية ساخنة في المنطقة كالعقوبات على سوريا وحضرت أيضاً لبنان في خطاب ترامب، والوحيدة التي غابت تماماً كانت فلسطين وغزة رغم فداحة ما يجري.
بالنظر للمواقف السعودية منذ بداية طوفان الأقصى تجاه ما يجري في غزة فإن التماهي مع الجرائم يشير إلى رغبة سعودية بتنفيذ الخطة الأمريكية حول تهجير سكان القطاع لأسباب اقتصادية وجيو سياسية، والشيء الوحيد الذي ظلت تدعمه السعودية يتمثل بتسليم القطاع للسلطة الفلسطينية وابعاد المقاومة وإعلان قيام دولة فلسطين مقابل التطبيع. بالنسبة للسعودية فإن خطتها لإعلان دولة فلسطين ليس لاستقرار شعبها واستكانته بل لضم مزيد من المقدسات الإسلامية إليها حتى لا تجد نفسها أمام واقع جديد جراء التذمر في العالمين العربي والإسلامي من سياستها في قضايا عدة أبرزها إدارة الحرم.
كان يفترض ان يهمس بن سلمان في اذن ترامب ولو من باب الإنسانية بأن اعدام مليوني انسان عربي مسلم في غزة بالمجاعة والقتل الجماعي ينبغي ان يتوقف ويكفي سقوط قرابة مائتي الف شهيد وجريح، لكنه قرر الايغال بعداونيته والبحث عن ملفات أخرى كسوريا لاسباب فقط للاستعراض بوجه دول إسلامية أخرى.
فعلياً.. لم تقف السعودية يوماً مع الشعب الفلسطيني وحتى ما تجود به من اليسير من المساعدات لا يتعدى رفع الحرج عن مواقف قادتها وهي لا ترى، وفق ما يصفه اعلامها، في المقاومة الا جناح أخرى يهدد نفوذها في المنطقة.
قد يكون بن سلمان اخطئ بتخليه عن أهم قضية عربية وإسلامية ينبغي ان تحتل أولوية لدى كل الشعوب، لكن الثمن الذي قد يدفعه في حال سقوط المقاومة حاجز الصد الأولى لطموح الاحتلال سيكون باهظاً.. فالاحتلال كما يرى جناحه المتطرف لن يكتفي حتى يبتلع كافة المنطقة الممتدة من النهر إلى البحر بما في ذلك أجزاء واسعة من السعودية.
وفي السياق وبينما كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يحاول لفت أنظار العالم لبلاده بميزانية ضخمة خصصت لحدث زيارة الرئيس الأمريكي، أصرت اليمن على تركيز الأضواء على اكبر مأساة تشهدها المنطقة.
كان حلم بن سلمان وقد اعتمد تريليون دولار لأمريكا لقاء زيارة رئيسها الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ان يسوق عهده بصورة جديدة من خلال اعين ترامب. وليس إزاحة ملف الإرهاب عنه وحده ولا الانتهاكات التي ارتكبها بحق شعبه من يسعى بن سلمان لوأدها، بل يتطلع لان يعلن المملكة بديلاً لأوروبا وسوق جديد للعهر الجديد.
وخلافاً لما كان يشتهيه بن سلمان جاءت اليمن بعواصف أخرى وقد ابت الا ان تلفت الأنظار نحو المأساة التي يعيشها السكان في غزة حيث يقبع نحو مليوني انسان تحت واقع المجاعة الشديدة وجرائم الإبادة الجماعية.
حتى اللحظة، أطلقت اليمن 3 صواريخ بالستية جميعها استهدفت مطار بن غوريون البوابة الجوية للاحتلال، وحققت إصابات مباشرة جعلت إعلام العالم كله يصوب عدسات كاميراته صوب أجواء تل ابيب بانتظار الصاروخ التالي والتقاط مشاهد فشل اعتى المنظومات الدفاعية عن حماية الاحتلال ابرز حلفاء أمريكا.
هذه إذن رسائل يمنية قوية: أولها إزاحة مشاهد الترف والبذخ الذي قدمه النظام السعودي لترامب حتى لا يشعر العالم العربي والإسلامي بأن الشرق الأوسط يعيش في جنة بينما الملايين من أبنائه يتضورون جوعاً في غزة..
وثانيها.. ان ترامب الذي فتحت له السعودية خزائنها ليس قادراً على حماية ربيبته وبالتأكيد سيكون عاجزاً عن حماية الآخرين..
وثالثها أن المعادلة في المنطقة تغيرت ولم تعد كما اعتاده أرباب النفط بالخليج وأخرى لا يستوعب الكلام لشرحها.
بين مراسيم استقبال ترامب في السعودية وعمليات اليمن في تل ابيب مسافات إنسانية واخوية وذات أبعاد استراتيجية لن يلمسه الا من حمل لواء الجهاد وفضل اعتلاء كرسي المواجهة على الخدمة في بلاط الإدارة الأمريكية وبكل تأكيد لكلٍ نتائج مختلفة..
فترامب لن يحقق للسعودية أكثر من كلمات الاطراء وتبادل نظرات الحب والشغف بالمال مع بن سلمان بينما تظل عمليات اليمن استراتيجية وذات هدف أخلاقي يفتقر إليه بقية الأنظمة في المنطقة.