سباق السيطرة على باب المندب… تحركات سعودية غير مسبوقة تحت غطاء دولي..!
المشهد الجنوبي الأول _ متابعات
في لحظة فارقة تشهدها مياه البحر الأحمر، تتقدم السعودية بخطوات متسارعة لإعادة تشكيل قواعد اللعبة في واحد من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم: باب المندب.
هذا التحرك لا يأتي بمعزل عن سياق دولي مضطرب، بل يبدو جزءاً من استراتيجية مركّبة تستند إلى دعم أمريكي-بريطاني وتوازنات إقليمية دقيقة، يلوح معها شبح تصعيد جديد قد يعيد المنطقة إلى قلب المواجهة.
اللافت أن هذه العمليات تتزامن مع تشديد غير مسبوق في قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن، الأمر الذي يفتح الباب أمام مرحلة بحرية أشد تعقيداً، وقد تكون مقدمة لتغيير جذري في معادلة النفوذ بالساحل الغربي والجغرافيا البحرية للمنطقة.
أولاً: التحركات السعودية الجديدة:
بدأت السعودية، السبت، ترتيبات موسعة لنشر قوات عسكرية في نطاق باب المندب، في تحرك يعكس رغبة واضحة في تعزيز حضورها على خطوط الملاحة الدولية. وترافقت هذه الخطوة مع نجاح الرياض في تمرير مشروع قرار جديد داخل مجلس الأمن، يهدف إلى تشديد العقوبات المفروضة على اليمن، ويفتح المجال أمام تغييرات واسعة في آليات مراقبة السفن.
– قوات مشتركة لتفتيش السفن:
بحسب مصادر عسكرية في بحرية عدن، فقد أبلغت الرياض فصيل “البحرية” التابع لحكومة عدن ببدء تجهيز وحدات ستنضم إلى قوة مشتركة تُكلّف بتنفيذ عمليات تفتيش السفن المتجهة إلى موانئ الحديدة. التحول الأبرز في هذه الخطوة هو اعتماد الصعود المباشر إلى السفن في العمق البحري، بدلاً من إجراءات التفتيش التقليدية في ميناء جيبوتي، وهو ما يمنح القوات المشاركة صلاحيات واسعة تحت المظلة الدولية.
ثانياً: الغطاء الدولي – مناورة سياسية وعسكرية:
ترافقت التحركات السعودية مع انتهاء مناورات “الموج الأحمر”، التي شاركت فيها دول مطلة على البحر الأحمر، بينها مصر والأردن وجيبوتي والسودان، إلى جانب فصائل عدن. أُجريت المناورات في قاعدة الملك فيصل في جدة، وتركزت – وفق تصريح قائد فصيل البحرية بعدن، عبدالله النخعي – على تأمين خطوط الملاحة وعمليات التفتيش، ما يؤكد أن المناورة كانت تمهيداً مباشراً للعمليات الحالية.
ثالثاً: انعكاسات قرارات مجلس الأمن:
شهد مجلس الأمن إضافة نص جديد للعقوبات المفروضة على اليمن، يتضمن السماح للقوات الدولية بممارسة التفتيش المباشر في أعالي البحار.
وقد حذرت دول عدة من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد خطير، خاصة في ظل التوتر القائم بين الأطراف المحلية والإقليمية، وتضارب المصالح في البحر الأحمر.
رابعاً: قراءة تحليلية لأبعاد التحرك السعودي:
تكشف هذه التطورات عن محاولة سعودية لإعادة تثبيت نفوذها في البحر الأحمر، بعد سنوات من التراجع العسكري والسياسي. وتأتي هذه التحركات في وقت تسعى فيه الرياض لتعويض خسارتها لورقة الضغط البحري، خاصة بعد تراجع نفوذها في الساحل الغربي لحساب قوى خارج سيطرتها.
إن التحرك في باب المندب تحت غطاء دولي يعطي السعودية فرصة لاستعادة دورها الأمني الاستراتيجي، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام احتمالات الاحتكاك المباشر، خصوصاً مع دخول الولايات المتحدة وبريطانيا على خط العمليات، ما يغيّر ميزان القوة في المياه الإقليمية ويجعل المنطقة أكثر قابلية للاشتعال.
وعليه يمكن القول:
تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة بحرية جديدة تختلف جذرياً عن السنوات الماضية، فالمشهد مرشح لتغييرات واسعة في قواعد الاشتباك والسيطرة البحرية.
تتحرك السعودية بخطوات متسارعة لتعزيز حضورها العسكري في البحر الأحمر وباب المندب، في وقت يشهد فيه الملف اليمني تحولاً حساساً داخل مجلس الأمن. ويبدو أن الرياض تسعى لفرض معادلة جديدة على خطوط الملاحة الدولية، مستفيدة من غطاء دولي متنامٍ، وتنسيق مباشر مع واشنطن ولندن، ما يشير إلى مرحلة أكثر صرامة في إدارة ملف التفتيش البحري ومراقبة الممرات الحيوية.
رغم أن الهدف المعلن هو حماية الملاحة، إلا أن توسيع صلاحيات التفتيش والصعود المباشر إلى السفن قد يفتح الباب أمام احتكاكات عسكرية غير محسوبة، خصوصاً في ظل حساسية الصراع اليمني وتشابك الحسابات الإقليمية. ومع زيادة النفوذ العسكري للقوى الكبرى في المنطقة، يبدو أن باب المندب يتجه نحو مرحلة أكثر تعقيداً قد تتجاوز حدود التفتيش إلى سباق نفوذ طويل الأمد على الممرات البحرية الحيوية.
التحركات السعودية المدعومة دولياً ليست مجرد ترتيبات أمنية، بل محاولة لفرض واقع جديد في البحر الأحمر، قد يمتد تأثيره إلى داخل اليمن وإلى الملف السياسي برمّته. وما لم يتم التعامل مع هذه التطورات بحكمة واستراتيجية واضحة، فإن باب المندب قد يتحول إلى ساحة صراع مفتوح، تتداخل فيه الحسابات الدولية والإقليمية، وتنعكس آثاره على الداخل اليمني اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.
