عين اليمن على جنوب اليمن

الضَّالع..وصراع الْمصالح الإقليمية بين الإمبــراطوريتين الْعثمانيـــة والْبريطانيــة

شايف الحدي

يزخر ‏الأرشيف الْبريطاني الْمحفوظ في ( الْمكتبة البريطانية The British Library) بالكثير من الوثائق و الْكتب والملفات التَّاريخية الْمثيرة فيما يتعلق بـ(حكومة عـدن British government ) ومحمياتها الشَّرقية و الْغربية التَّابعة لــ(مستعمرة الهند البريطانية The British colony of India ) بعد الأفراج عنها وفقا للقانون الْبريطاني وتاريخ الْجنوب خلال الْحقبة الإستعمارية بعدما كانت تُعد وثائق سرية وأصبحت اليوم في متناول الجميع، وكانت الْحكومة البريطانية نيابة عن جلالة الملكة قد وقعت إتفاقيات حماية مع الْقبائل التَّسع التي كانت تمثل الْمحميات التي هي في إطار الْحماية البريطانية، وفي مطلع القرن العشرين بدأت لجنة فعلية بترسيم الحدود الدَّولية في إمارة الضَّالع ما بين عامي 1902 ــ 1904م بين الأنجلو ــ والأتراك والتي من خلالها وصلت الْمشكلة إلى ” الْباب الْعالي” التَّركي ومجلس “اللوردات” الْبريطاني بعد إتفاق شهر أكتوبر1901م الذي جرى من خلاله التَّوافق بين لندن ودلهي حول العرض التَّركي لترسيم الْحدود أبتداءً من حدود إمارة الضَّالع حتى رأس سعيد بخور العميرة التَّابع حاليا لمديرية رأس الْعارة بمحافظة لحج.
وعلى أثر ذلك تم تشكيل لجنة من الطَّرفين البريطاني والتَّركي، وفي 11 فبراير 1902م أجتمع الضَّباط الْبريطانيين والأتراك للبدء بعملهم في الضالع لرسم الْحدود الدَّولية وقد مثّل الجانب الإنجليزي الْكولونيل وهاب والكولونيل عبود من الْخدمة السَّياسية في بومباي وترأس اللجنة التَّركية العقيد/مصطفى رينسي ورافق كلا الجانبين من الْمساحين 200 رجل، وفي أغسطس 1902م أحتجت الْحكومة البريطانية إلى الْباب الْعالي بسبب بعض الْخروقات من الْجانب التَّركي.
وإليكم ما دوّنه الْمؤلف الْبريطاني ( آر . جـي . چافـن R.J. Gavin )في كتابه: (Aden Under British Rule: 1839–1967. London: C. Hurst & Company, 1975 عدن تحت الْحكم الْبريطاني ١٨٣٩ ــ ١٩٦٧)، الذي يقول في أحد فصوله :” لقد مثّل الربع الأخير من القرن التَّاسع عشر بداية الصَّراع بين الأمبراطوريتين الْعثمانية والْبريطانية وذلك بسبب التَّدهور الْحالي (حينها) في الْعلاقات الأنجلو ــ عثمانية بسبب الْمناطق الداخلية المحيطة بعدن والتي كانت تُعرف(بمحميات عـدن الْغربية).
في بيان أمام مجلس اللوردات في مارس 1903م عندما كانت الأزمة الدّبلوماسية بشأن ترسيم الْحدود في ذروتها على حدود إمارة الضَّالع وضح وزير الْخارجية الْبريطاني (اللورد لاندسدون Lord Landsdown ) الطَّبيعة الْمحدودة للأهداف الْبريطانية في الْمناطق الْمحيطة بعدن في خطابه أمام مجلس اللوردات قائلا:” لم نكن نرغب قط في التَّدخل في الشَّؤون الدَّاخلية الْمحلية للقبائل التَّسع التي وقعنا معها معاهدات حماية، كل ما كانت بريطانيا تريده بأن لا يتم تدخل أيّ قوة أُخرى في شؤونهم الدَّاخلية؛لقد تمت صياغة الْبيان بنية حسنة وكان يعبر عن رأي المكتب الخارجي (وزارة الْخارجية Foreign Office ).
وعند الأنتهاء من ترسيم الْحدود كانت الْقوة الْبريطانية الْموجودة في الضَّالع تتكون من 2200 ضابط وجندي إضافة إلى العديد من مدافع الْميدان وكان وزير الدّولة الْبريطاني اللَّورد هملتون الْمدافع الرئيسي عن سياسة التَّقدم للَّحاكم ( اللَّورد جورج كوروزون Lord George Curzonالحاكم العام للهند البريطانية من 6 يناير 1899 – 18 نوفمبر 1905م).
ومع ذلك فقد كان وزير الدّولة ( اللورد هملتون Lord Hamilton )من دفع الْحكومة إلى إتخاذ قرار حاسم لتهديد ” الْباب الْعالي” في فبراير 1903م ولم توافق الْحكومة على هذا الإجراء إلَّا لاعتقادها أن قيامها بذلكـ يمكن أن يجنبها الْقيام بتحرك عسكري مباشر لإبعاد الأتراك من الضَّالع، وكان على هملتون أيضا أن يتدخل شخصيا لحث أعضاء المجلس الْهندي على الْموافقة على إرسال تعزيزات عسكرية إلى عـدن في خريف 1903م، ولم يَكُن يتم تفعيل ذلك إلَّا بعد معركة مريرة؛ كان غالبية الْمسؤولين في الْمكتب الْهندي يعارضون تقريبا كل خطوة إلى الأمام تقترحها حكومة الْهند ولم يَكُن الْمكتب الْخارجي أقل عداءً.
لقد عبر عن وجهة نظره حول مسألة الضَّالع بإيجاز بارع العضو والسَّكرتير السَّياسي الأفضل اطلاعا والأكثر تأثيرا في اللجنة السَّياسية للمكتب الْهندي ( وليم لي وارنر William Lee Warner ) من حزب الأحرار البريطاني الذي حقق حزبه أنتصارا كاسحا بالأنتخابات فيما بعد، وحل محل حكومة الْمحافظين، عندما قال:” لم نعد نريد الضَّالع أكثر مما نريد
الْمدينة الإسبانية الْجميلة كاديز خارج مستعمرة مضيق جبل طارق”.
لقد أدت هزيمة وجهات نظرهم إلى إثارة غضب واستياء هؤلاء الرجال إلى حدٍ أن معارضتهم للإجراءات التي كان يجري إتخاذها أصبحت مغطاة بنفور شخصي تجاه كل أولئك الْمرتبطين بالنشاطِ المأساوي لترسيم الحدود، وفي صيف 1903م احتدم غضبهم عندما تورط ( الكولونيل ميتلاند Colonel Maitland )الْمقيم السَّياسي في عـدن بمشاحنة مع أعضاء لجنة الحدود البريطانية؛ وقد أرسلت (لندن London) توبيخا صارما وكانت على وشك إعادة استدعاء ذلك الدَّفاع الْقديم عن سياسة التَّقدم إلى الأمام لو لم يَكُن (كورزون حاكم الهند البريطانية ) من جانبه قد أعلن عن موقفه بصراحة والمدافع عن ميتلاند، وبالنسبة للبقية فقد أذعنوا كارهين في العمل خارج برنامج ترسيم الْحدود ولكنهم كانوا مستعدين لتغيير النغمة إذا سنحت الْفرصة.
هـــــوامــــــــش:
❐ الْباب الْعالي هو مقر الْحكومة العثمانية أفتتحه القائد محمد الْفاتح بعد أن توسعت رقعة الدّولة الْعثمانية في تلك الحقبة الزمنية، وكان يرأسه الصَّدر الأعظم ويقع مقره في مدينة إسطنبول بالقرب من بحر مرمرة ومضيق الْبوسفور.
❍ مجلس اللوردات House of Lords هو أحد الْْمجلسين اللذين يناط بهما مهمة سن الْقوانين في الْبرلمان الْبريطاني للمملكة الْْمتحدة وهو الْمجلس الأعلى (حينها) .
❐ تمثل أهمية منطقة الضّالع في تلك الفترة وأشتداد الصَّراع عليها إلى موقعها الْجغرافي الذي كان يمثل ممرا بريا هاما يربط بين محميات عدن الغربية و الْمملكة الْمتوكلية الْيمنية وهذا يدل على عظمة موقع الضَّالع في تلك الْحقبة الزمنية والتي كانت تُعد مصحة طبيعية كما وصفها الضًَّابط السَّياسي البريطاني للضالع آنذاك ( الكولونيل هارولود فينتون جاگوب 1902 ــ 1907) في كتابه ملوك شبه الْجزيرة الْعربية The Kings of Arabia.

الضا

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com